عندما يختلط الطب بالقانون نحصل على ما يسمى بالطب العدلي او الشرعي. وعندما تختلط فكاهات الطب بفكاهات القانون نحصل على الفكاهة السوداء أو ما يسمى في المسرح بالكوميديا السوداء. وقد شاع هذا النوع من النكات والتقليعات والفكاهات في العصر الحديث بصورة خاصة، ربما بسبب ما احتلته مهنة الطب من الأهمية في حياتنا المعاصرة.
برز كثير من الأطباء الظرفاء في أكثر بلدان العالم. تجسد ذلك بصورة خاصة في الدكتور بول الذي احتل مكانته في عالم الطب الشرعي الذي تخصص به في فرنسا. ويقال إنه قام بتشريح ما يقرب من 160.000 جثة. ومن يستطيع القيام بكل ذلك دون شيء من روح النكتة وخفة الظل؟ وكثيرا ما سأله الناس كطبيب عن أوجاعهم وعللهم. وكان جوابه كلما سأله رجل عن علته: «سنعرف سر مرضك بعد تشريح جثتك».
وكثيرا ما ألقى إفاداته وشهاداته أمام القضاة بشيء من الدعابة، كما حدث عندما راح يصف حالة رجل قتل زوجته بسبب برودتها الجنسية، فقال: «أيها السادة المحلفون، ينبغي أن تفهموا هذا الرجل. لقد كان هذا المسكين يجد نفسه دائما في موقف الشخص الذي يضغط على زر المصعد الكهربائي بلا جدوى، إذ تبين له أن المصعد عاطل ولا يتحرك قط».
وكطبيب شرعي معروف وبعين الوقت ظريف لامع، دأب الناس على دعوته لحفلاتهم وأفراحهم. قلما أقيمت وليمة فاخرة في باريس لم يتصدر المائدة فيها الدكتور بول. وفي إحدى هذه الحفلات، تأخر عن الحضور لمدة غير قصيرة. وعندما وصل بادر إلى الاعتذار للمضيفة قائلا: «المعذرة يا سيدتي العزيزة، ولكنني تأخرت بسبب زبون مضى عليه ثلاثة أشهر في النعش. والآن اسمحي لي أن أذهب وأغسل يدي».
فتمتمت المضيفة بوجه شاحب: «ليتك فعلت ذلك قبل أن تصافحني».
وفي كل هذه المجالس والحفلات، كان يتألق بحكاياته وطرائفه. ومنها ما رواه عن دوره في قضية أمام محكمة الجنايات تتعلق برجل قتل زوجته خنقا. فعندما صعد إلى منصة الشهادة ليدلي بإفادته، أشار محامي الدفاع إلى عنقه إشارة خفيفة. فسرها الدكتور بول بأنه يريد منه أن يشدد على عملية الخنق. فراح يسهب في التفاصيل ويصف كيف وجد لسان الجثة أزرق اللون وغضاريف الرقبة مهشمة والعينين في حالة جحوظ واحتقان، الأمر الذي جعل المحلفين مبهورين ومرتعبين. حتى المحامي وقف كالمصعوق. وبعد انتهاء القضية، أسرع إلى معاتبة الدكتور بول عما فعل، فقال له: ماذا؟ ألم تطلب أنت ذلك بإشارتك إلى عنقك؟ فضحك المحامي وقال: أنا؟ كل ما أردت أن أقوله لك هو أن ياقة ثوبك كانت مفكوكة.
وكان بدينا جدا. وعندما أوشكت سيدة أن تدهسه بسيارتها عند عبوره الشارع صاحت به: احذر يا سمين يا بدين! فبعث إليها برسالة قال فيها : السمين البدين يهديك تحياته. وسيضع نفسه في خدمتك. التوقيع: د. بول - طبيب شرعي.
التعليــقــــات
صفاء مرمرجي، «الولايات المتحدة الامريكية»، 05/06/2011
تحية لكل العرب ولك أبا نائل ، كم أنت بارع في كتابة المقالات اللطيفة وخصوصأ هذه السلسلة مع الأطباء ، لم يسبق
لكاتب أخر ان تطرق لهذه المواضيع كما تطرقت ، أستنتج من هذه المقالات الفكاهة أن عملية القلب الجراحية التي أجريتها
ناجحة ولله الحمد ، وأن قلبك أصبح أكثر فكاهةً من أي وقت مضى .
خالد، «فرنسا ميتروبولتان»، 05/06/2011
صراحة مقال رائع أستاذ خالد شكرا لك.
سامي البغدادي--تورينو، «ايطاليا»، 05/06/2011
الفكاهة هي صمام الامان التى تحفظ القوى العقلية والجهاز العصبي من الانهيار خاصة مع انسان يتعامل مع الحقيقة التي
نخشاها ونتحاشى حتى التطرق الى مفرداتها وهي الموت الذي يشبه صافرة الحكم في ملعب لكرة القدم تعلن نهاية المباراة
ونحن على بعد مترين او ثلاثة من الهدف لتحقيق الانتصار ،اي ان الفكاهة السوداء كما سميتها هي احدى حالات الدفاع
عن النفس اوجدها الانسان للهرب من الواقع ولو للحظات للتحليق في فضاء الافتراض والمجازية...
بن نويصر، «فرنسا ميتروبولتان»، 05/06/2011
أشكرك استاذ خالد على هذه المقاله اللطيفه الظريفه ، وحقيقه نحن بحاجه لمقالات كهذه .. لا تناقش حالات سياسيه او
داخليه .. نريد ان نبتعد قليلاً عن ما يسبب الهم أو يجعل الشخص في حالة توتر .. شكرا لك ونتمنى مزيد من هذه المقالات
( الترويحيه ) ان جاز التعبير لانها تروح عن النفس ..
البراهيم عثمان، «المملكة العربية السعودية»، 05/06/2011
شكرا استاذى. سبق ان اقلعت عن ادمان عمودك لظروف خارجة عن الارادة وعدنا والعود احمد. حفظك الله
عبدالحميد، «فرنسا ميتروبولتان»، 05/06/2011
احنا العرب اذا زرنا الطبيب وكان متهجما ومكشرا قلنا : آه دكتور ثقيل دم ونصف العلاج هي الابتسامه وبشاشة الوجه...اما اذا كان طبيبا مرحا وودودا ولطيفا فنشك في قدراته العلميه ونجزم ان شهادته في الطب مزوره..!! طبيب عربي وخفيف دم..مايصييير.
حاتم الأشرم، «فرنسا ميتروبولتان»، 05/06/2011
شكراً استاذي خالد انت تطفي لهب المشاعر وحزنها فكل المقالات والأخبار صواعق ومتاعب اما انت
وحدك جعلتني اضحك بعمق شكراً لك ثانية ابا نائل وسلامة قلبك من كل شر.
نادية_العراق، «فرنسا ميتروبولتان»، 05/06/2011
ليته كان في ال